الصلح في القضايا الجنائية في السعودية كيف تتم الإجراءات وما هي شروطه

الصلح في القضايا الجنائية في السعودية: كيف تتم الإجراءات وما هي شروطه

يعتبر الصلح في القضايا الجنائية كخيار يوازن بين العدالة والرحمة. لكن لا بد أن يكون ذلك ضمن أنواع القضايا الجنائية التي يمكن الصلح فيها وهو ما سنتعرف عليه في مقالنا الحالي. حيث سنشرح لكم حقوق الأطراف في الصلح الجنائي في السعودية ونوضح أثر الصلح الجنائي على الحكم القضائي، فاعرف حقوقك وتابع معنا.

شروط صحة الصلح الجنائي في السعودية

مفهوم الصلح في القضايا الجنائية والنطاق النظامي له

يعتبر الصلح الجنائي من أحد حالات انقضاء الدعوى الجزائية وهو اتفاق يُبرم بين الجاني والمجني عليه (أو ورثته) لإنهاء النزاع القائم، وذلك ضمن حدود وضوابط يقرها النظام. يختلف الصلح عن التنازل عن الحق الخاص والعفو، إذ يُعتبر عقداً ملزماً له أثر قانوني مباشر. النظام السعودي يستند في تنظيم الصلح إلى نظام الإجراءات الجزائية، الذي يحدد مواضع وإجراءات الاعتداد بالصلح في الدعوى.

يُطبق الصلح في الجرائم التي يغلب فيها الحق الخاص مثل: عقوبة الاعتداء على املاك الغير، جرائم الإيذاء غير المفضي للوفاة، بعض القضايا التعزيرية. أما الجرائم الكبرى كجرائم الحدود وعقوباتها (كالقتل والحرابة) فلا يقبل فيها الصلح إذا تعلق الأمر بالحق العام الخالص. يضمن هذا التوازن احترام مبدأ النظام العام وعدم التفريط في حقوق المجتمع.

من الناحية القانونية، فالصُّلْح في النظام السعودي يعتمد على موازنة بين المصلحة العامة والحق الخاص، بمعنى أن الجريمة التي تؤثر في حقّ الدولة قد لا يُقبل الصلح فيها إذا تعارض ذلك مع المصلحة العامة، بينما إذا كانت الجريمة من تلك التي يقرّ النظام إمكانية الصلح – يُتاح هذا الحل التنظيمي.

من ميزات الصلح في القضايا الجنائية:

  • يخفف الأعباء القضائية على المحاكم والنيابات، ويُسرّع إنهاء النزاعات.
  • يعزز الثقة في حل النزاع وتهدئة النفوس بين الأطراف، ويجنّب الخصومة الممتدة.
  • يوفّر على المتهم مدّة المحاكمة وأعباءها، إذا توفرت شروط الصلح القانونية.

شروط صحة الصلح الجنائي في السعودية

يخضع الصلح في القضايا الجنائية لشروط شكلية وموضوعية لضمان مشروعيته:

الشروط الشكلية:

  1. كتابة الاتفاق وتوقيع الأطراف.
  2. توثيقه أمام جهة قضائية أو عدلية مختصة.
  3. تحديد موضوع النزاع بشكل دقيق.

الشروط الموضوعية:

  1. أهلية الأطراف: يجب أن يكون كل طرف كامل الأهلية.
  2. رضا الأطراف: الصلح يجب أن يكون خالياً من الغبن أو الإكراه.
  3. مشروعية الموضوع: لا يجوز الصلح على ما يخالف النظام العام.
  4. يجب أن يكون طلب الصلح خاليًا من أي اشتراط مبطن: أي لا يقبل الصلح الذي يكون معلقاً على شرط أو مؤجلاً إلى وقت.

أهمية الشروط:

  1. حماية الطرف الضعيف (المجني عليه أو ورثته).
  2. ضمان جدية الاتفاق.
  3. تمكين المحكمة من الاعتداد به كوثيقة قانونية.

وبذلك يكون الصلح في القضايا الجنائية صحيحاً إذا استوفى هذه المتطلبات الشكلية والموضوعية.

الجرائم التي يجوز فيها الصلح والاستثناءات

ليس كل جرم جنائي قابل للصلح، كما أن هناك جرائم استثناها القانون الجنائي السعودي بشكل صريح. في هذه الفقرة نتعرّف إلى القواعد التي تحدد الجرائم التي يُقبل فيها الصلح والجرائم التي تُستثنى منه.

النطاق يشمل:

الجرائم المستثناة من الصلح

هناك جرائم لا يجوز فيها الصلح مطلقاً أو تُقيّد بشدة، لما تشكّله من خطر على أمن المجتمع والمصلحة العامة. من الأمثلة على ذلك:

  • جرائم القصاص التي تمس النفس، مثل القتل العمد في القانون السعودي، قد لا يُسمَح فيها الصلح إلا في الحالات التي يسمح بها الشريع والنظام.
  • جرائم الحق العام، مثل جرائم الإرهاب، تهريب المخدرات الكبرى، جرائم الفساد الكبرى، جرائم الأموال العامة.
  • الجرائم التي لا يكون المتضرّر فيها طرفاً مباشراً أو التي تكون مشمولة بحق عام فقط دون وجود حق خاص.
  • الجرائم التي يقرر النظام أنها لا تُقبل فيها التسوية أو الصلح لخطورتها.

يجب التنويه إلى أنه في حالة الجرائم التي تستهدف المصلحة العامة، حتى إذا ما وافق المتضرّر على الصلح بينه وبين المتهم، قد ترفض السلطة المختصة قبول الصلح إذا رأت أن مصلحة الدولة تقتضي المضي في الدعوى الجنائية.

إجراءات الصلح في القضايا الجنائية

حتى يكتمل الصلح في القضايا الجنائية بطريقة صحيحة، يجب أن تمر العملية بمراحل وإجراءات قانونية محددة، تضمن حقوق جميع الأطراف وتحفظ قانونية الاتفاق. فيما يلي شرح تفصيلي لهذه الإجراءات.

  • يبدأ الأمر غالباً بأن يُقدّم المدعي (المتضرّر) أو من ينوب عنه طلب صلح إلى النيابة العامة أو الجهة المختصة، مرفقاً بالأدلة والمستندات التي توضح العلاقة بين الطرفين وحق المتضرّر.
  • بعد استلام الطلب، تُحال القضية إلى وحدة الصلح أو المكتب المعني، التي تستدعي الأطراف إلى جلسة مصالحة بحضور مصلح معتمد أو مختص.
  • في جلسة المصالحة، يُناقش المصلح مع الطرفين نقاط الخلاف، ويُسهِّل التفاهم بينهما للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين ويحفظ حقوق المتضرّر.
  • إذا تم التوصل إلى اتفاق، يُحرَّر محضر صلح يشتمل على تفاصيل الاتفاق، بما فيه ما يتعلق بالتنازل أو التعويض أو التنفيذ. المحضر يُعدّ وثيقة رسمية تُعتمَد لاحقاً.
  • بعد تحرير محضر الصلح، يجب أن يُعتمَد من الجهة المختصة (النيابة أو المحكمة حسب موقع الدعوى) ليصبح له الأثر القانوني المطلوب.
  • عند اعتماد الصلح، ينقضي الدعوى الجنائية، أي أنه لا يُستكمل الإجراء الجزائي أو المحاكمة، بشرط أن الصلح لا يتعارض مع المصلحة العامة أو يكون في جرم محظور الصلح فيه.

بشكل عام، هذه الإجراءات تضمن أن الصلح ليس مجرد وعد شفوي، بل يُتَّخَذ عبر خطوات قانونية واضحة تحفظ التنفيذ وحقوق الطرفين.

أثر الصلح على الدعوى الجزائية

يختلف أثر الصلح باختلاف نوع الحق:

  • في الحق الخاص: يؤدي الصلح إلى سقوط الدعوى الجنائية وانقضاء الخصومة، مثل قضايا الحق الخاص في الاعتداء.
  • في الحق العام: لا يسقط الصلح دعوى الحق العام، لكن يمكن للمحكمة أن تأخذ به كسبب مخفف للعقوبة.
  • في التعويض عن الضرر المعنوي والمادي: إذا كان المتضرّر يروم المطالبة بتعويض مدني عن الأضرار التي لحقت به، فإن الصلح قد يشمل هذا البُعد إذا نص المحضر على التنازل عن التعويض أو الاتفاق على مبلغ معين. وإلا، يظل الحق المدني قائماً إذا لم يتنازل عنه صراحة.
  • إذا تم الصلح أثناء سير الدعوى، تعرض المحكمة محضر الصلح وتفصل في أثره على استمرار الدعوى.
  • إذا تم الصلح بعد صدور حكم باتّ، فقد تقرّر الجهة المختصة وقف تنفيذ العقوبة إن رأت أن الصلح يبرّر ذلك.
  • إذا جرى الصلح خلال مراحل الاستئناف أو الطعن، قد يؤدي الصلح إلى رفض الطعن أو إيقاف تنفيذ الحكم إذا لم يُنكَس.

جدول مقارنة:

نوع الحق أثر الصلح ملاحظات
الحق الخاص سقوط الدعوى مثل قضايا السب والاعتداء البسيط
الحق العام لا يسقط قد يؤثر في تقدير العقوبة
التعويض المالي إبراء ذمة الجاني غالباً يرتبط بالدية أو التعويض

بهذا يتضح أن أثر الصلح ليس موحداً، بل يتحدد بحسب نوع القضية ومرحلة الدعوى.

توثيق الصلح وآلياته العملية

التوثيق هو المرحلة الحاسمة لجعل الصلح نافذاً. يتم عادةً عبر:

  1. محضر رسمي أمام النيابة العامة: حيث يُثبت في محضر التحقيق.
  2. إقرار قضائي أمام المحكمة: أثناء جلسات المحاكمة يثبت القاضي الصلح في محضر الجلسة.
  3. من خلال منصة (تراضي) عبر الخطوات التالية:
    • تسجيل الدخول على منصة تراضي وتعبئة النموذج لتقديم طلب الصلح.
    • يتم إحالة الطلب إلى المصلح المختص وتحديد موعد لجلسة الصلح عن بُعد.
    • يتم عقد الجلسة افتراضياً عبر المنصة، ويقوم المصلح بمساعدة الأطراف للتوصل إلى تسوية ودية.
    • في حال الوصول إلى اتفاق، يتم تحرير وثيقة الصلح التي يجب على الأطراف المصادقة عليها رقمياً عبر النفاذ الوطني الموحد (أبشر).
    • بعد مصادقة الأطراف عليها، يتم اعتماد الوثيقة من قبل مركز المصالحة، لتصدر بعدها وثيقة الصلح.

دور المحامي في الصلح الجزائي

لا يمكن إنجاز صلح جنائي صحيح وفعّال دون دور محامي قضايا جنائية يقود الموقف القانوني ويوجّه الأطراف، وهنا أبرز الأدوار التي يُمكن للمحامي أن يقوم بها في هذا السياق:

  • قبل قبول أو طرح أي اتفاق صلح، يجب أن استشارة محامي جنائي حول مدى جواز الصلح في القضية أو تحت شروط، ونوع الجريمة، والمصلحة العامة، والأدلة المتاحة، والمخاطر المحتملة من استمرارية الدعوى.
  • المحامي يوضّح للمتضرّر والمتهم العواقب المحتملة من قبول الصلح أو رفضه، بما في ذلك الخروج إلى المحاكمة، أو الفشل في الصلح، أو وجود التزام مدني لاحق.
  • المحامي يضمن أن تكون صيغة الاتفاق واضحة ودقيقة، تتضمّن كل النقاط المتفق عليها: التعويض المالي، التنازل إن وُجد، التزام التنفيذ، الجزاءات في حال الإخلال، تحديد المثال الزمني للتنفيذ، وغيرها من البنود الضرورية.
  • يحرص على أن تكون الكتابة رسمية ومراعية للأصول القانونية حتى يُعتمَد المحضر لاحقًا من الجهات المختصة.
  • في جلسة الصلح أو المصالحة، المحامي يمثل موكله ويُدافع عن حقوقه، يعرض الأدلة والمطالب، ويُفاوض للوصول إلى اتفاق متوازن.
  • المحامي يضمن أن أي تنازل يتم عن طواعية وبلا ضغوط أو إكراه، وأن الأطراف تدرك حقوقهم بالكامل قبل الاتفاق.
  • بعد اعتماد محضر الصلح، يتابع المحامي تنفيذ الاتفاق، ويقدّم الطلبات اللازمة للجهات المختصة إذا خالف الطرف الآخر الاتفاق.
  • إذا تَوجّب تقديم أمر تنفيذ أو توجيه طلب إلى القضاء المدني لإنفاذ البند المتعلق بالتعويض، يكون المحامي هو الأقدر على المتابعة القانونية وضمان التنفيذ.
  • في حال رفض الجهة المختصة اعتماد الصلح أو وقوع نزاع حول تنفيذه، يمكن للمحامي الطعن أو اتخاذ الإجراءات القانونية الملائمة نيابة عن موكله.

الأسئلة الشائعة حول الصلح الجنائي في السعودية

هل ينهي الصلح الدعوى الجنائية نهائياً؟

ينهي الصلح الدعوى في قضايا الحق الخاص فقط، أما قضايا الحق العام فلا يسقطها، لكنه يُخفف من العقوبة.

هل يجوز الصلح بعد صدور الحكم؟

نعم، يجوز الصلح بعد الحكم في بعض القضايا، ويؤثر في التنفيذ خصوصاً عند وجود تعويض مالي أو دية.

ما الفرق بين الصلح والتنازل؟

التنازل يتم من المجني عليه عن الدعوى مباشرة، أما الصلح فهو عقد يحدد التزامات متبادلة ويُوثق رسمياً.

هل يُشترط موافقة المحكمة على الصلح؟

نعم، لا يعتد بالصلح إلا إذا صادقت عليه جهة مختصة كالمحكمة أو النيابة.

ما هي أبرز الجرائم التي يُقبل فيها الصلح؟

مثل قضايا الإيذاء البسيط، السب، القذف، الاعتداء الجسدي أو النفسي، وبعض الجرائم التعزيرية.

هل يمكن الرجوع عن الصلح بعد إبرامه؟

لا يجوز الرجوع عنه إلا إذا ثبت بطلانه بسبب إكراه أو مخالفة النظام العام.

ختاماً نشكر لك زيارة مقالنا.

شروط الصلح في القضايا الجنائية 4 جرائم مستثناة من الصلح 2025.

في ختام مقالنا، صحيح أن الصلح في القضايا الجنائية قد يكون طريقاً لإصلاح العلاقة وإغلاق النزاع بأقل خسائر ممكنة، لكنه يتطلب فهماً دقيقاً وتقديراً للعواقب. لذلك، يبقى دور محامي متخصص بالقضايا الجنائية أساسيًا في تقييم إمكانية الصلح، وتوثيقه بطريقة قانونية تحفظ حقوقك كاملة.

المصادر الرسمية:

اتصل بنا
Scroll to Top